كتاب المكافحة الحيوية للآفات الحشرية بين النظرية والتطبيق
ظهرت الحشرات وانتشرت انتشارا واسعا علي سطح الأرض قبل أن تطأها قدم الإنسان بزمان طويل، وبعد أن استقر الإنسان وتكاثرت أعداده، وبعد أن كانوا يأكلون ما يطيب لهم من نبات الأرض، أخذ البشر في توسيع رقعة المزروعات والمحاصيل، ثم شغلت حماية هذه المحاصيل ضد هجمات الحشرات الضارة والآفات الأخرى مساحة كبيرة من تفكيره ونشاطه، وعليه، فإن المكافحة الحيوية للآفات الحشرية ليست حديثة عهد، إذ تتعدى جهود العلماء المائة عام تقريبا، إلا أن اهتمامهم بها يتزايد تزايدا ملحوظا في الفترة الأخيرة، وذلك لسببين، أولهما ما نشر عن نجاحاتها الكبيرة مما شجع العاملين
في مجال مكافحة الآفات للاستمرار في جهودهم، والسبب الثاني هو تصاعد (Toxins) الاهتمام بتدهور وتلوث البيئة نتيجة الإسراف في المواد السامة لمكافحة الآفات الزراعية واستخدامها غير الرشيد،، ولقد بدأ الإنسان بتطوير طرق مكافحة الآفات التي تنافسه على الغذاء خلال القرن الميلادي الماضي بشكل واسع، فقد ظهرت في البداية مجموعة المركبات اللاعضوية، ومنها مركبات الزرنيخ والمركبات ذات الأصل النباتي )مثل: الروتينون – النيكوتين – البارثرين(، ثم استخدمت الغازات السامة )مثل: سيانيد الهيدروجين( لتدخين الأشجار، وبنفس الوقت ظهرت الزيوت المعدنية القطرانية منها والبترولية، ثم استخدمت في العشرينات من القرن الماضي مركبات الفينولات، وبعد الحرب
العالمية الثانية ظهرت المركبات الجديدة الصناعية )مثل: المركبات الكلورية العضوية والمركبات الفوسفورية العضوية(، وقد بدا للعاملين في مجال مكافحة الآفات أن هذه المبيدات قد حققت نجاحات ملحوظة في المكافحة المطلوبة،
تدخلا غير مدروس، (Ecosystem) ونظرا لتدخل الإنسان في النظام البيئي (Naturalفإنه يتحمل المسئولية عن الإخلال بالتوازن الطبيعي في البيئة، وهو التوازن الموجود أصلاً فيما بين الكائنات equilibrium) الحية وبين بعضها في منطقة ما، فكان من نتائج تدخله أن ندرت كائنات معينة، والبعض الآخر في طريقه للانقراض، بينما هيأ الإنسان لكائنات أخري أوساطاً بيئية أكثر ملائمة، فأدي تدخله لزيادة الرقعة الزراعية بتحويل الصحاري أو الغابات إلي أراض زراعية إلي نقل الكثير من الآفات من أو من مناطق انتشارها إلي )Native home موطنها الأصلي )الطبيعي أماكن جديدة لم تتوطنها من قبل، وغالباً لا تنتقل معها أعداؤها الطبيعية إلي الموطن الجديد، مما يتيح لهذه الآفات فرصا (Natural enemies)للزيادة المطردة مسببة أضراراً بالغة، وهو ما يتطلب تدخلاً سريع اً، غالباً ما لوقف هذه (Insecticides) يكون باستخدام المبيدات الحشرية الكيميائية الزيادة، ونظرا لما تتميز به هذه المبيدات من سهولة في الاستعمال وسرعة في التأثير، فقد جذبت وما زالت تجذب أنظار العديد من العاملين في مكافحة الآفات وغيرهم من المزارعين والمستثمرين، مما صرف الأنظار لفترات طويلة عن طرق المكافحة الأخرى، وفي مقدمتها المكافحة الحيوية، وهى التي تعتمد علي نشاط ما هو معروف بالأعداء الطبيعية، من حشرات وحيوانات وأسماك وطيور،،، هذا، وقد تحولت أنظار الكثير في السنوات الأخيرة إلي المكافحة الحيوية للآفات على أنها الأمل المنشود للعودة إلي المكافحة الطبيعية واستعادة التوازن الطبيعي في البيئة الحيوية، للتغلب على المشكلات الناجمة عن الاستعمال غير الواعي والإسراف في استخدام المبيدات الكيميائية، وما سببته من تلوث للبيئة وإخلال بالطبيعة الأولى التي فطرها الله عليها ، إلا أن الاستخدام المتكرر لهذه المبيدات أدى إلى حدوث عدة مشاكل لم تكن بالحسبان، وذلك لأن المبيد المستخدم في هذه المرحلة كان ذا مجال واسع وسمية شديدة لعدد كبير من الأنواع الحشرية، مما أدى إلى قتل الطفيليات والمفترسات )وغيرها من الأعداء الحيوية( وإضعاف دورها الفعال في المكافحة الطبيعية، مما ترتب عليه وقوع أضرار خطيرة بالتوازن البيئي،
(Nontarget إضافة إلى حصول بعض الأضرار للكائنات غير المستهدفة كالحيوانات الأليفة والطيور والنحل والإنسان، كما أدى ،organisms) الاستخدام غير الرشيد لهذه المبيدات إلى ظهور المقاومة للآفات الحشرية ضد المبيدات، كما أدت إلى ظهور آفات جديدة في البيئة، ففي السودان- علي سبيل المثال- كانت تستخدم مبيدات الكلور العضوية لمكافحة دودة اللوز الأمريكية في القطن ودودة ورق القطن المصري خلال الأربعينات من القرن الماضي، فظهرت حشرات الجاسيد في حقول القطن خلال الخمسينيات من القرن ذاته، وهى الحشرات التي لم تكن موجودة من قبل،،، وبعد عدة سنوات من المكافحة المستمرة بالمواد الكيماوية ظهرت آفة جديدة في القطن هي الذبابة البيضاء،
فلو لم تستخدم المبيدات على ذلك النحو المفرط لتواجدت الكائنات الحية تحت الظروف الطبيعية في حالة تعرف بالتوازن الطبيعي، وهو محصلة لمجموعة وهي العوامل التي ،)Biotic potential عوامل تعرف )بالكفاءة الحيوية تساعد الأعداء الطبيعية علي النمو والتكاثر والانتشار من جهة ويقابلها
مجموعة أخري من العوامل الطبيعية تعرف بالمقاومة البيئية وتشمل عوامل غير الحيوية )كفعل ، (Environmental resistance) الظروف الجوية غير المناسبة(، وعوامل حيوية كالمنافسة فيما بين أفراد النوع الواحد أو الأنواع المختلفة، وكفعل الأعداء الطبيعية( من جهة أخري ،
إن المبيدات لم تعد تعط النتائج المرجوة منها، بل أصبحت أحياناً تعطي نتيجة عكسية، خاصة عند ظهور صفة مقاومة المبيد في سلوك الآفة، حيث إن المبيد في هذه الحالة يقضي على المفترسات والمتطفلات )الأعداء الحيوية( ويبقي على الأفراد المقاومة من الآفة، وفي هذه الحالة فإن المبيد يساعد على زيادة أعداد الآفة وليس نقصها ،،، لقد أدت هذه الأمور إلى التفكير لاستنباط طرق جديدة للمكافحة، بل الاعتماد على أساليب متعددة يخدم بعضها بعضا بشكل متكاملة فيما يسمى “المكافحة المتكاملة للآفات” أو “الإدارة المتكاملة للآفات” وقد طُرح تطبيق هذا ، (Integrated Pest Management، IPM) الأسلوب الجديد في بداية سبعينيات القرن الماضي، وقد عرّفت منظمة الأمم الإدارة المتكاملة للآفات” في عام 1912 ” (FAO) المتحدة للأغذية والزراعة بأنها أسلوب بيئي شامل يعتمد على استخدام جميع الوسائل الطبيعية والأعداء الحيوية للآفات، من مفترسات وطفيليات ومسببات الأمراض، ووسائل المكافحة الزراعية التطبيقية والكيمياوية، والأصناف المقاومة، لتغيير أو تحوير وسط معيشة الآفة، وذلك باستخدام أفضل التقنيات- متكاملة أو فرادى- في مكافحة الآفات المختلفة لخفض أعدادها، وكل في وقته المناسب إلى ،،،(Economic threshold)مستوى أقل من الحد الاقتصادي الحرج ومشاركة منا في هذا المجال وضعنا الكتاب الحالي لمعالجة الأسس النظرية وعرض جوانب عديدة في التطبيقات العملية لوسائل المكافحة الحيوية، وأهمها الطفيليات والمفترسات، وقسمناه إلى فصول، يعرض الفصل الأول أبرز أنماط المكافحة عموما،،، ويناقش الفصل الثاني مفهوم المكافحة الحيوية ومراحلها التاريخية ودورها إدارة مكافحة الآفات،،، وأما الفصل الثالث فيشرح معايير وأسس الاستخدامات التطبيقية للأعداء الطبيعية وميزاتها وسلبياتها،،، ويختص الفصل الرابع بالطفيليات والمتطفلات في المكافحة الحيوية، وقد تحدثنا فيه عن مصطلحات في المتطفلات، وعرضنا لتقسيم المتطفلات وأمثلة منها،،، ويتناول الفصل الخامس المفترسات واستخدامها في المكافحة الحيوية،
فقسم المفترسات، وعالج سلوك الافتراس، ثم عرض لأمثلة تطبيقية للمفترسات من رتب حشرية مختلفة، ومفترسات من فصيلة الأكاروسات )طائفة العنكبوتيات(، ومفترسات من الفقاريات ومفترسات من الثدييات،،، وأما الفصل السادس فاختص بجوانب عديدة من المكافحة الميكروبية، مثل الكفاءة الإمراضية للكائنات الدقيقة، العوامل البيئية المؤثرة في حدوث وتطور الوباء، المسببات المرضية الميكروبية، وغيرها،،،
دكتور/ محمد طناني
كلية العلوم جامعة الأزهر
تحميل كتاب المكافحة الحيوية للآفات الحشرية بين النظرية والتطبيق pdf اضغط هنا